الاقتصاد الإسرائيلي في ظل الحروب: تحليل شامل للتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية

د. هشام القروي

يواجه الاقتصاد الإسرائيلي تحديات جسيمة نتيجة الحروب المتتالية، حيث كلّفت حرب غزة المستمرة منذ أكتوبر 2023 الاقتصاد الإسرائيلي نحو 67 مليار دولار، بينما أضافت الحرب مع إيران في يونيو 2025 تكاليف إضافية تقدر بـ 20 مليار دولار أخرى^[1]^[2]. رغم هذه التحديات، أظهر الاقتصاد الإسرائيلي مرونة نسبية، محققاً نمواً بنسبة 1% في عام 2024، متجاوزاً التوقعات الاقتصادية^[3]. من ناحية أخرى، يظهر المجتمع الإسرائيلي انقساماً واضحاً، حيث يؤيد 73% من الإسرائيليين الهجوم على إيران، بينما يعبر 70% منهم عن قلقهم من تصاعد النزاع^[4].

الوضع الاقتصادي خلال حرب غزة

التقلبات الحادة في الناتج المحلي الإجمالي

شهد الاقتصاد الإسرائيلي تقلبات حادة منذ بداية حرب غزة، حيث انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 19% على أساس سنوي في الربع الأخير من 2023، وهو أكبر انكماش اقتصادي في أربع سنوات^[5]. لكن الاقتصاد تعافى بقوة في الربع الأول من 2024، محققاً نمواً بمعدل سنوي قدره 17.3%، قبل أن يتباطأ إلى 1.2% في الربع الثاني^[6].

أداء الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي يظهر تقلبات اقتصادية دراماتيكية خلال فترة حرب غزة، مع انكماش حاد أعقبه انتعاش.

القطاعات الاقتصادية المتأثرة

تأثرت قطاعات مختلفة بدرجات متفاوتة، حيث انخفضت الاستثمارات في الأصول الثابتة بنسبة 5.9% في 2024، بينما تراجعت الصادرات بنسبة 5.6%^[3]. في المقابل، ارتفع الإنفاق الحكومي بنسبة 88.1% في الربع الأخير من 2023، مدفوعاً بالنفقات العسكرية وتعويضات المدنيين^[5].

قطاع التكنولوجيا يظهر مرونة

رغم التحديات، أظهر قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي مرونة ملحوظة، حيث حصلت الشركات التقنية على استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار تقريباً في 2024، مع صفقات خروج بقيمة 14 مليار دولار^[7]. ازدادت الاستثمارات في قطاعات الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي والدفاع بشكل كبير، حيث استحوذت على 52% من إجمالي التمويل^[8].

التأثير الاقتصادي لحرب إيران

التكاليف المباشرة والإجمالية

كلّفت الحرب مع إيران التي استمرت 12 يوماً في يونيو 2025 الاقتصاد الإسرائيلي نحو 12 مليار دولار كتكاليف مباشرة، مع تقديرات بأن التأثير الإجمالي قد يصل إلى 20 مليار دولار^[2]. هذا يعادل حوالي 1% من الناتج المحلي الإجمالي الإسرائيلي^[1].

مقارنة التكاليف الاقتصادية بين صراع غزة وإيران، مما يدل على التأثير الأكبر بكثير لحرب غزة على الاقتصاد الإسرائيلي.

Comparison of economic costs between Gaza and Iran conflicts, showing the Gaza war's substantially higher impact on Israeli economy — مقارنة التكاليف الاقتصادية بين صراع غزة وإيران، مما يدل على التأثير الأكبر بكثير لحرب غزة على الاقتصاد الإسرائيلي

الأضرار في البنية التحتية

تسببت الصواريخ الإيرانية في أضرار مباشرة تقدر بـ 5 مليارات دولار، حيث أصابت مباني سكنية ومصافي النفط ومطار بن غوريون^[2]. أُجبر مطار بن غوريون على تعليق العمليات، مما كلّف الاقتصاد خسائر يومية تقدر بحوالي 3 ملايين دولار من قطاع السياحة وحده^[2].

التأثير على العجز المالي

دفعت تكاليف الحرب العجز المالي الإسرائيلي من 5.5% إلى 8.5% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما ارتفعت نسبة الدين العام من 69% إلى 74%^[1]. طلبت القوات المسلحة الإسرائيلية تمويلاً إضافياً بقيمة 40 مليار شيكل (11.7 مليار دولار) لتجديد المخزون العسكري^[2].

المؤشرات الاقتصادية الحالية

مؤشرات العمالة والتضخم

تشير المؤشرات الاقتصادية الحالية إلى وضع متباين، حيث انخفضت نسبة البطالة إلى 2.61% في يناير 2025، وهي من أدنى المعدلات في العقدين الماضيين^[9]. لكن معدل التضخم ارتفع إلى 3.82% في يناير 2025، وهو أعلى مستوى منذ سبتمبر 2023^[10].

معدل البطالة في إسرائيل من عام 2005 إلى عام 2024، يظهر انخفاضا عاما على مدى ما يقرب من عقدين.

Israel's unemployment rate from 2005 to 2024, showing a general decline over nearly two decades — معدل البطالة في إسرائيل من عام 2005 إلى عام 2024، يظهر انخفاضا عاما على مدى ما يقرب من عقدين.

العجز المالي وأسعار الفائدة

بلغ العجز المالي 5% من الناتج المحلي الإجمالي في مايو 2025، متجاوزاً الهدف الحكومي البالغ 4.9%^[11]. حافظ البنك المركزي الإسرائيلي على أسعار الفائدة عند 4.5% في مايو 2025، مبرراً ذلك بالحاجة لتحقيق الاستقرار المالي في ظل الحرب المستمرة^[12].

موقف المجتمع الإسرائيلي من التصعيد

دعم الهجوم على إيران

تظهر استطلاعات الرأي أن 73% من الإسرائيليين يؤيدون الهجوم على إيران، بينما يعتقد 76% أن القرار كان مبنياً على اعتبارات أمنية^[4]. كما يؤيد 61% من الإسرائيليين ليس فقط تحييد التهديد النووي الإيراني، بل أيضاً إسقاط النظام الإيراني^[4].

نتائج استطلاع الرأي العام الإسرائيلي تظهر دعما قويا للعمل العسكري ضد إيران رغم المخاوف من التصعيد.

Israeli public opinion survey results showing strong support for military action against Iran despite concerns about escalation — نتائج استطلاع الرأي العام الإسرائيلي تظهر دعما قويا للعمل العسكري ضد إيران رغم المخاوف من التصعيد

القلق من التصعيد المستقبلي

رغم الدعم للعمليات العسكرية، يعبر 70% من الإسرائيليين عن قلقهم من كيفية تطور الحملة ضد إيران^[4]. يعتقد 49% من الجمهور أنهم قادرون على تحمل الحرب وعواقبها لمدة شهر واحد فقط، بينما يعتقد 27% أنهم يستطيعون التحمل لمدة 2-3 أشهر^[4].

الاحتجاجات وإرهاق الاحتياطيين

تشهد إسرائيل احتجاجات متزايدة من قبل الاحتياطيين المرهقين، حيث يرفض عدد متزايد منهم الخدمة العسكرية مستشهدين بالإرهاق من الجولات المتكررة في حرب لا نهاية واضحة لها^[13]. انخفض معدل الاستجابة لاستدعاءات الاحتياط إلى 60% في بعض الوحدات، مقارنة بمعدلات أعلى في بداية الحرب^[14].

المواقف المتطرفة تجاه الفلسطينيين

تظهر استطلاعات الرأي تنامي المواقف المتطرفة في المجتمع الإسرائيلي، حيث يعتقد 64% من الإسرائيليين أنه “لا يوجد أبرياء” في غزة^[15]. كما يؤيد 82% من اليهود الإسرائيليين “نقل” (طرد) سكان غزة إلى دول أخرى، بينما يؤيد 47% قتل جميع سكان المدن المعادية على غرار معركة أريحا التوراتية^[16].

الهجرة والثقة التجارية

شهدت إسرائيل موجة هجرة عكسية، حيث غادر نحو 470 ألف إسرائيلي البلاد في الشهرين الأولين من حرب غزة ولم يعودوا^[17]. انخفضت الهجرة إلى إسرائيل بنسبة 70% مقارنة بما قبل الحرب^[17]. مع ذلك، تحسنت مؤشرات الثقة التجارية إلى 22.97 نقطة في مايو 2025، مقارنة مع 20.54 نقطة في أبريل^[18].

التحديات المستقبلية والخلاصة

يواجه الاقتصاد الإسرائيلي تحدياً مزدوجاً يتمثل في تحمل أعباء الحروب المتتالية مع الحفاظ على النمو الاقتصادي^[19]. رغم المرونة التي أظهرها القطاع التقني والاقتصاد بشكل عام، فإن التكاليف المتراكمة للحروب البالغة 87 مليار دولار تشكل عبئاً ثقيلاً على المالية العامة^[1]^[2].

من الناحية الاجتماعية، يظهر المجتمع الإسرائيلي انقساماً واضحاً بين الدعم للعمليات العسكرية والقلق من استمرار التصعيد^[4]. الإرهاق المتزايد بين الاحتياطيين والمواقف المتطرفة المتنامية تجاه الفلسطينيين تشير إلى تحولات عميقة في النسيج الاجتماعي الإسرائيلي^[13]^[15]. هذه التطورات تطرح تساؤلات حول القدرة على الاستدامة طويلة المدى، سواء اقتصادياً أو اجتماعياً، في ظل استمرار حالة الحرب والتوتر.

⁂